نيويورك في 25 سبتمبر /قنا/ شارك حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في دورتها الثالثة والسبعين التي عقدت في مدينة نيويورك مع أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسعادة رؤساء الدول والحكومات ورؤساء الوفود والمنظمات الحكومية وغير الحكومية.
وقد ألقى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى كلمة، فيما يلي نصها:
بسم الله الـرحـمـن الرحيم
سعادة رئيسـة الجمعيـة العامـة،
سعادة الأمين العـام للأمم المتحدة،
السيدات والسادة،
يسُرني في البداية أن أتوجَّه بالتهنئة إلى سعادة السيدة ماريا فرناندا إسبينوزا غارسيس على توليها رئاسة الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة، متمنياً لها التوفيق.
كما أعرب عن تقديرنا لسعادة السيد ميروسلاف لاجاك على جهوده القيمة في إدارة أعمال الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامـة.
ولا يفوتني أن أثمن الجهود الدؤوبة لسعادة الأمين العام السيد انطونيو غوتيريش لتعزيز دور الأمم المتحدة وتحقيق أهدافهـا السامية.
ومن هذا المقام أقدم التعازي الصادقة لعائلة كوفي عنان ولمنظمة الأمم المتحدة بوفاة الأمين العام السابق الذي كان واحدا من أهم من حملوا راية هذه المنظمة في خدمة التعاون الدولي والتنمية والسلام بين الشعوب.
السيدة الرئيسة،
يواجه العالم تهديدات وتحديات خطيرة - أمنية وسياسية واقتصادية ـ لا تعترف بالحدود الوطنية للدول وتضع الأمم المتحدة باعتبارها إطارًا للأمن الجماعي في اختبار حقيقي.
وإذا أراد المجتمع الدولي تحقيق الأمن والاستقرار العالمي يجب تجاوز إدارة الأزمات والسعي لإيجاد الحلول الشاملة والعادلة لها وفقاً لأحكام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بعيداً عن الانتقائية وازدواجية المعايير، ورفض سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة.
إننا ندرك ونقدر الأهمية الكبرى لوجود مرجعية دولية شاملة يعبر عنها نظام دولي شرعي يسود فيه حكم القانون، وقد بات من الضروري الإسراع في إجراء الإصلاحات المطلوبة لقيام مؤسسات الأمم المتحدة بمسؤولياتها من أجل تحقيق الأهداف السامية للمنظمة والاستجابة لطموحات الشعوب وتطلعاتها في تحقيق السلم بما يمكّنها من تحقيق عدالة مستدامة، وهو الموضوع الذي اختارته سعادة رئيسة الجمعية العامة للمناقشة في هذه الدورة.
السيدات والسادة،
بعد مرور أكثر من عامٍ على الحصار غير المشروع الذي فُرض على دولة قطر، تَكشَّفت حقائقُ كثيرةٌ عن تنظيم مسبق لحملة التحريض ضدها، وعن الدس والافتراءات التي استُخدمت لافتعال الأزمة. وأدرك المجتمع الدولي في هذه الأثناء زيف المزاعمِ التي روِّجت ضد بلدي لتبرير الإجراءات المدبرة سلفا التي اتُّخِذت بذريعة هذه المزاعم المختلقة والباطلة، وذلك في انتهاكٍ صارخ للقانون الدولي وقواعدِ العلاقات بين الدول، فضلا عن قيم شعوبنا وأعرافها.
وعلى الرغم من الإجراءات التي اتخذت بهدف إلحاقِ الضرر بأمنِ قطر واستقرارها والتضييق على شعبها والحرب الاقتصادية التي شنت لعرقلةِ عمليةِ التنمية فيها، فقد شهدت فترةُ الحصار الجائر تعزيز مكانة دولة قطر وترسيخَ دورها كشريكٍ فاعل على الساحة الإقليمية والدولية، وواصَلَ الاقتصاد القطري نُموَّه مُبرهناً على قوته وتماسكه، وحافظت دولة قطر على مواقعها المتقدمة وصدارتها لدول المنطقة على المؤشرات الدولية وخصوصا في مجالات الأمن الإنساني والتنمية البشرية. وتعزّز إيمان الشعب القطري بقدراته وقيمه ومبادئه، وازدادت وحدته تماسكا.
وإيمانا منّا بسلامة موقفنا القانوني، وضرورة التسوية السلمية للمنازعات وأن الحوار هو السبيل الأمثل لحل الأزمات، فقد تجاوبنا، وما زلنا، مع جميع المساعي المقدرة من الدولِ الشقيقةِ والصديقةِ لإنهاء هذه الأزمة من خلال حوار غير مشروط قائم على الاحترام المتبادل لسيادة الدول.
والحقيقة أنه من غير الطبيعي أن يؤدي الاختلاف في الرؤى حول التعامل مع بعض القضايا الإقليمية إلى شل فاعلية منظمة إقليمية مهمة مثل مجلس التعاون الخليجي. لقد أضر الحصار على قطر بسمعة دول المجلس، وانعكس شلل المجلس نفسه سلبًا على دوره المنشود تجاه قضايا المنطقة والعالم.
نحن نأمل أن نحول جميعا محنة المجلس الحالية إلى فرصة يستفاد منها في إصلاحه ووضع آليات ملزمة لحل الخلافات بين دوله بالحوار داخله، بحيث لا يتكرر مثلها مستقبلاً.
من غير المعقول أن تظل منطقتنا العربية رهينة بعض الخلافات الجانبية، المختلقة في حالتنا، والتي تستهلك جهوداً وطاقات وتبذير أموال تتجاوز ما نحتاج أن نخصصه للقضايا العادلة التي يفترض أننا نتفق عليها.
السيـدة الرئيسـة،
لم يتم إحراز تقدم يذكر في قضايا الشرق الأوسط العالقة وخصوصا قضية فلسطين، آخر قضية استعمارية في عالمنا.
لقد قدمت العملية السياسية التي بدأت قبل ربع قرن نموذجا للخروج عن مرجعية الأمم المتحدة إلى أطر خارجها، تصور البعض أنها أفضل أو أسرع في إنهائها وإيجاد حلول لها، وقد دعمتها الدول العربية انسجاما مع احترام القرار الفلسطيني، لكن النتيجة كـانت المـزيـد مـن التعـثر والتعقيـد.
وها نحن نشهد محاولات لتصفية قضية فلسطين بتصفية قضايا الحل الدائم مثل القدس واللاجئين والسيادة والحدود.
إن القضايا الوطنية العادلة لا تحل بإخضاعها لموازين القوى بين المحتل والواقع تحت الاحتلال بل تحل بموجب مبادئ مثل حق تقرير المصير وعدم جواز ضم أراضي الغير بالقوة، والتي أصبحت جزءا من الشرعية الدولية.
إن تدهور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية ولا سيما الأوضاع غير الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة والحصار الخانق الذي يعانيه، واستمرار الاستيطان في القدس المحتلة والضفة الغربية، ينذران بعواقب جسيمة ويلقيان على عاتق مجلس الأمن مسؤولية تاريخيـة.
إننا نؤكد على أهمية المفاوضات واستئناف مساراتها إلا أن ذلك يتطلب الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها مبدأ حل الدولتين، ومبادرة السلام العربية، على أن تكون عاصمة الـدولة الفلسطينيـة القـدس الشـرقيـة علـى حـدود 1967، كما لا يمكن حل الصراع العربي الاسرائيلي دون حل عادل ودائم لقضية فلسطين.
ونحن متمسكون بهذا الموقف الذي يتفق مع الشرعية الدولية والذي يمليه علينا الضمير الإنساني. ولكن إسرائيل ترفض هذه التسوية العادلة.
إن دولة قطر لن تألو جهداً في تقديم مختلف أشكال الدعم المادي والسياسي للشعب الفلسطيني الشقيق ومواصلة العمل مع كافة الأطراف الدولية الفاعلة في عملية السلام في الشرق الأوسط لتذليل الصعوبات التي تعترض استئناف مفاوضات السلام مجدداً، وفق المرجعيات وقرارات الشرعية الدولية.
السيدة الرئيسة،
بعد مرور أكثر من سبع سنوات ما زال المجتمع الدولي يقف عاجزاً عن إيجاد حل للأزمة السورية المتفاقمة بكل أبعادها وإفرازاتها الخطيرة. وإضافة إلى المآسي التي يعيشها الشعب السوري، يساوره قلق وإحباط من أن تصبح جرائم الإبادة والتهجير الجماعي والموت بالجملة في السجون تحت التعذيب ممارسات مألوفة يمكن أن يتعود عليها المجتمـع الدولـي.
إن عدم ردع النظام السوري عن ارتكاب الجرائم عبر الحرب التي يشنها على شعبه من جهة، وعدم محاسبته عليها بعد اقترافها من جهة أخرى، يُفرغ أحكام القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان من أي معنى.
وستكون لذلك آثار وخيمة على القيم السائدة في عالمنا برفعها السقف المتاح لاستخدام العنف في قمع تطلعات الشعوب والدوس على حقوق المواطن والإنسان في منطقتنا.
إننا أمام كارثة إنسانية وأخلاقية وقانونية توجب على المجتمع الدولي الإسراع في التوصل إلى حل سياسي يحقن دماء السوريين، ويلبي تطلعاتهم للعدالة والحرية، ويحفظ وحدة سوريا وسيادتها، ويحقق الأمن والاستقرار في سوريا والمنطقة، وفقاً لبيان جنيف (1) وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. إننا نؤكد على ضرورة الالتزام بالقانون الإنساني الدولي لحماية المدنيين.
وفي الشأن اليمني نؤكد موقف دولة قطر الثابت الحريص على وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه، وندعو جميع الأطراف اليمنية إلى المصالحة الوطنية لإنهاء الصراع على أساس قرار مجلس الأمن 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني.
وإنني من هذا المنبر أناشد الدول الفاعلة في المجتمع الدولي مساعدة الشعب اليمني الشقيق لتجاوز هذه الظروف التي نأمل أن تنتهي قريباً، والعمل على اتخاذ كافة التدابير لمعالجة الوضع الإنساني الخطير، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطـق فـي اليمـن.
وفي هذه المناسبة أعلن عن اتفاق قطر مع الأمم المتحدة على محاربة مرض الكوليرا في اليمن بدعم مشاريع ذات علاقة بمكافحة أسباب المرض ووقف انتشاره، وندعو دولا أخرى للانضمام إلينا في دعم هذا الجهد الحيوي.
أما بشأن الأزمة الليبية التي شهدت مؤخراً تطورات تضع أمن هذا البلد ووحدة أراضيه على المحك، فإننا نتطلع إلى استعادة الأمن والاستقرار رغم التحديات الجسيمة التي يواجهها الأشقاء الليبيون، ونشير إلى أن التدخل الأجنبي في الشأن الليبي يزيد من تعقيد الأزمة، ويحول دون الوصول إلى التوافق الوطني الذي يسعى إليه الأشقاء الليبيون، ويتعارض مع قرارات مجلس الأمن، ونؤكد مجدداً على دعمنا لاتفاق الصخيرات الموقع في ديسمبر 2015 وكافة مخرجاته.
وندعو كافة الأشقاء الليبيين لإعلاء المصلحة الوطنية والتمسك بالحوار دون إقصاء لأي من مكونات المجتمع الليبي، وصولاً إلى التسوية السياسية الشاملة التي تحفظ لليبيا سيادتها ووحدة أراضيها وتحقق تطلعات شعبها في الأمن والاستقـرار.
وفي العراق الشقيق نعرب مجدداً عن تقديرنا لجهود الحكومة العراقية في إعادة الاستقرار وتحقيق المصالحة الوطنية بتضافر كل الأطراف السياسية، وكل مكونات المجتمع العراقي، ونثمن نجاحات وتضحيات الشعب العراقي في الحرب ضد الإرهاب والتطرف بأشكاله كافـة.
ونؤكد حرصنا على دعم العراق الشقيق في عملية إعادة الإعمار والتنمية، ومساندة كل جهد يسعى إلى ضمان وحدته وسيادته وتعزيز أمنه واستقـراره.
السيدة الرئيسة،
يسود اتفاق أن الإرهاب بات يشكل أحد أبرز التحديات التي يواجهها العالم لما يمثله من تهديد حقيقي للسلم والأمن الدوليين، ونحن نؤكد على موقف دولة قطر الثابت برفض كافة أشكال الإرهاب وصوره، في أي مكان في العالم، ومهما كانت الأسباب والذرائع.
وتأتي مكافحة الإرهاب ضمن أولويات سياسة دولة قطر على المستوى الوطني والإقليمي والدولي. وقد قمنا بتطوير الأنظمة التشريعية والمؤسسية والوفاء بالالتزامات الدولية ذات الصلة بمكافحة الإرهاب وتمويله، والمشاركة في كافة الجهود الدولية والإقليمية ذات الصلـة.
وفي رأينا أن ثمة شروطاً ضرورية لكي تحقق الحرب على الإرهاب هدفها ولا تتحول هي إلى هدف قائم بذاتـه:
1. التعاون الدولي في محاربة العنف الناجم عن التطرف والعنف الموجه ضد المدنيين لإرهابهم، والإضرار بالمرافق المدنية لأهداف سياسية، والتصدي لهذه الظواهر بحزم وصرامـة.
2. توحيد المعايير في مكافحة الإرهاب بحيث لا يعتمد تعريفه انتقائيا على هوية الفاعل الدينية أو الإثنية.
3. معالجة جذوره ومسبباته والبحث في الخلفيات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تسهم في توليده، والعمل بجدية لتحقيق تسويات عادلة للقضايا العالقة التي تغذي مشاعر الغضب والإحبـاط.
4. عدم تحزيب مصطلح الإرهاب وتفصيله وفقاً للمصالح الضيقة لبعض الدول، وذلك باستخدامه لتبرير الاستبداد وقمع الخصوم السياسيين، ما يمس بمصداقية مكافحة الإرهاب ويضر بالجهود الدولية المبذولة فيها.
وفي هذا السياق فإن دولة قطر ترى أن تعليم الشباب ومشاركتهم الشاملة يشكل خط الدفاع الأول لنظام الأمن الجماعي، وأحد العوامل الهامة لمكافحة الإرهاب وبناء السلام والاستقرار، ولهذا التزمنا بتعليم عشرة ملايين طفل وتوفير التمكين الاقتصادي لنصف مليون من شباب منطقتنا وقمنا بالتعاون مع الأمم المتحدة بتنفيذ مشاريع لتعزيز فرص العمل للشباب من خلال بناء القدرات وإطلاق برامج لمنع التطرف العنيف.
السيـدات والسـادة،
تأتي التنمية البشرية وحماية حقوق الإنسان وتعزيزها في صدارة أولويات دولة قطر، وهي تواصل جهودها في هذا الشأن على المستوى التشريعي والمؤسسي تنفيذاً لرؤيتها الوطنية 2030 التي تشدد على التنمية البشرية. وأشير هنا إلى قيام دولة قطر خلال هذا الشهر بالانضمام إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعيـة والثقافيـة.
كما سنت دولة قطر مؤخرا قانونا ينظم موضوع اللجوء السياسي إليها قانونيا أسوة بالدول المتقدمة، وقانوناً آخر يمنح بموجبه حق الإقامة الدائمة في الدولة بموجب شروط يحددها القانون. كما قررت استضافة عدة منظمات عالمية لحقوق الإنسان لتنشئ فروعا إقليمـيـة لـها.
السيـدة الرئيسـة،
لا يشك أحد بالأهمية القصوى لتطور التكنولوجيا الرقمية والمعلوماتية ووسائل الاتصال الرقمية وغيرها، ولم يعد يمكن تصور الاقتصاد والحيـاة اليوميـة من دونهـا.
ولكن ذكرتنا سلسلة أحداث عانت منها مؤخرا عدة بلدان، أن حاجات جديدة نشأت ولم تكن معروفة في السابق، مثل حرية الاستخدام، والحاجة للدفاع عن مجال المواطنين الخاص من مخاطر اختراقه، ونبهتنا كذلك إلى الأمن السبراني للدول. وهذه مسائل عابرة للحدود بسبب طبيعة التكنولوجيا ذاتها. فلا بد إذا من تنظيم التعامل معها وضبط مخاطرها دوليا. وقد عانت قطر وغيرها مـن الدول من آثار الـقـرصـنة والـتجـسس الرقميـين، ما يدفعنا إلى التأكيد بقوة على هذا الموضوع، واستعدادنا للعمل مع منظمات الأمم المتحدة لتنظيمه قانونيا. ونحن نقترح الدعوة إلى مؤتمر دولي يبحث في سبل تنظيم هذا الموضوع في القانون الدولي. ونعرب عن استعدادنـا لاستضافـة هـذا المـؤتمـر.
.أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتــه