تفضل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، فشمل برعايته الكريمة افتتاح منتدى الدوحة في دورته الثامنة عشرة التي تعقد تحت عنوان “صنع السياسات في عالم متداخل”، وذلك بحضور كل من فخامة الرئيس لينين مورينو غارسيا رئيس جمهورية الإكوادور، ودولة السيد حسن علي خيري رئيس الوزراء بجمهورية الصومال الفيدرالية، وسعادة السيدة ماريا فرناندا إسبينوسا غارسيس رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعدد من أصحاب السعادة الوزراء من مختلف الدول العربية والأجنبية وذلك بفندق شيراتون الدوحة يوم السبت 15 ديسمبر 2018م.
حضر الافتتاح معالي الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، وسعادة السيد احمد بن عبدالله بن زيد ال محمود رئيس مجلس الشورى، وعدد من أصحاب السعادة الوزراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدين لدى الدولة.
كما حضر الافتتاح عدد من قادة الفكر والأعمال والأكاديميين والإعلاميين وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية وقيادات من القطاع الخاص وممثلي منظمات المجتمع المدني.
وألقى سمو أمير البلاد المفدى كلمة بهذه المناسبة فيما يلي نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
أرحب بكم جميعاً في منتدى الدوحة الثامن عشر الذي سيتناول عددا من أهم القضايا الاقتصادية والاجتماعية والتحديات السياسية في عالمنا اليوم.
الحضور الكرام،
أطلق سمو الأمير الوالد منتدى الدوحة في العام 2000 بوصفه منصة حوار عالمية في مطلع الألفية الجديدة حين بشرت الأمم المتحدة بمبادئ عهد جديد من التعاون الأممي توافق عليها المجتمع الدولي، فبعد نهاية الحرب الباردة واستنتاجات العالم من المذابح في رواندا وبورندي والبلقان بدا أنه سينشأ نظام للأمن الدولي يمكن أيضا من التعاون الذي تتضافر فيه الجهود لإيجاد الحلول للتحديات المختلفة في مجالات التعليم والصحة والتنمية. ولكن توالت التحديات والأزمات في العالم من أحداث 11 سبتمبر وانتشار ظاهرة الإرهاب والعنف والتطرف إلى الأزمة العالمية لأسواق المال وظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري. وانتقلنا من الحديث عن المواطنة العالمية إلى القلق من تسييس رهاب الأجانب عبر الحركات الشعبوية التي تحشد الجمهور على أساس الانتماءات الإثنية القطرية والدينية والطائفية، كما انتقلنا من التفاؤل بعولمة الأسواق وإلغاء الحدود إلى التعامل مع السياسات الاقتصادية الحمائية.
لقد عادت النزعات الإقصائية والشمولية تجتاح عالمنا وأنتجت أنظمة لا تعترف بأبسط حقوق الإنـسـان.
وتتضاعف جسامة هذه التحديات أمام ما يكتنف النظام الدولي الراهن من التجاذبات السياسية المتصاعدة ذات الأثر السلبي على التعاون الدولي والانتقائية في معالجة بعض القضايا واللجوء أحياناً إلى استخدام القوة وتنامي العنصرية بكافة أشكالها. وفي هذا السياق فإن القمع والاستبداد وازدواجية المعايير التي تفرغ مبادئ العدالة من مضمونها، وانتهاك حقوق الإنسان وحرياته الأساسية أصبحت تمثل تهديداً للإنسانية أو ما يمكن تسميته بالأمن الإنساني. فالاستقرار لا يجوز أن يقوم على القمع والظلم مثلما أن السلم الحقيقي هو القائم على العدل لا على الاحتلال. كما أن المفهوم الضيق للأمن يشكل خطراً على الأمن ذاته، لأن انعدام الأمن الإنساني يعود فيهدد الأمن والاستقرار بمفهومهما الضيق. ومثلما ليس من الممكن تحقيق تنمية اقتصادية على المدى البعيد بدون التنمية البشرية، كذلك من الضروري تحقيق الأمن بكافة أبعاده الاقتصادية والسياسية والبيئية والمجتمعية.
بالنسبة لنا ليست هذه مقولات نظرية، فلنا في منطقة الشرق الأوسط نصيب من التحديات والأزمات، فمن القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي إلى حرب العراق إلى الانتفاضات العربية التي أطلق عليها عالميا تسمية الربيع العربي، ومن مشكلات الهجرة والبطالة إلى قضايا الأمن المجتمعي والأمن الغذائي وغيرها من التحديات.
في خضم كل هذه التحديات والأزمات ثبت أنه لم يكتب النجاح لأية حلول من خارج مجموع القيم الجامعة التي توصلت إليها الإنسانية بعد الحرب العالمية الثانية من جهة وبعد معارك التحرر من الاستعمار من جهة أخرى. وهي القيم التي لا يجوز أن تتغير بتغير الظروف والأوقات. وقد صيغت هذه القيم الجامعة في مواثيق الأمم المتحدة ومبادئها والهادفة إلى حفظ الأمن والسلم الدوليين واللجوء إلى الحوار والوسائل السلمية لحل المنازعات ورفض ضم أراضي الغير بالقوة، وحق تقرير المصير للشعوب، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ورفض كافة أشكال العنصرية والتمييز، واحترام حقوق الإنسان والمواطن والتمسك بقيم العدالة والمساواة ونبذ التطرف والإرهاب وتعزيز التعايش السلمي والتعاون الدولي.
لقد فـات عـرّابي وأصحاب التفكير الإقصائي الضيق الأفق أن التطور التكنولوجي والفضاء الإلكتروني المفتوح جعل من الصعب احتكار الكلمة وتكميم الأفواه.
وإيمانا منا بأهمية الكلمة وضرورة الحوار وحتمية التنوع فقد حرصنا كل الحرص على إبقاء منابر الحوار ومنصات التواصل فعالة ومنفتحة لتبادل الآراء في بيئة حرة للجميع على اختلاف انتماءاتهم الفكرية ورؤاهم السياسية، ومنتداكم هذا هو مثال على ذلك.
الحوار هو الذي يجسر الهوة بين الفرقاء، مهما اشتدت الخلافات وهو نقطة الابتداء ونقطة الانتهاء في هذا الزمن الصعب.
وينطبق ذلك على أزمة الخليج المتمثلة بحصار بلادنا والتي لم يتغير موقفنا في حلها برفع الحصار وحل الخلافات بالحوار القائم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. فمسألة التعايش وحسن الجوار بين الدول منفصلة عن أية قضايا أخرى.
السيدات والسادة،
إن لديكم جدول أعمال على جانب من الثراء والشمول، في ظل التحديات التي تواجه المجتمع الدولي.
آمل أن تسهم أعمال هذا المنتدى في بلورة الرؤى بشأن كيفية التعامل مع القضايا والموضوعات المهمة المطروحة للنقاش فيـه.
أكرر الترحيب بكم في الدوحة متمنياً لكم طيب الإقامة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،