شارك حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في الجلسة الافتتاحية للمناقشة العامة للدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة التي بدأت أعمالها اليوم بمقر المنظمة في مدينة نيويورك، وذلك بحضور عدد من أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة قادة الدول ورؤساء الحكومات ووفود المنظمات الحكومية، والإقليمية والدولية وهيئات المجتمع المدني.
وقد ألقى سمو الأمير المفدى خطابا، فيما يلى نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدات والسادة،
يطيب لي في البداية أن أهنئ سعادة السيد تيجـانـي محمد بـاندي على توليه رئاسة الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة، متمنيا له التوفيق.
كما أعرب عن تقديرنا لسعادة السيدة ماريا فرناندا إسبينوزا غارسيس على ما بذلته من جهود في إدارة أعمال الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة.
ونثمن جهود سعـادة الأمين العام السيد أنطونيو غوتيريش، لتعزيز دور الأمم المتحدة وتحقيق أهدافها السامية.
السيدات والسادة،
يواجه العالـم تحديات جسيمة ومتنوعة عابرة للحدود بين الشعوب والدول تفرض علينا العمل المتعدد الأطراف، ولا سيما حين يتعلق الأمر بالمخاطر التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وقضايا البيئة، والتنمية المستدامة، واللجوء والهجرة.
وفي حالة السلم والأمن الدوليين لا شيء يغني عـن حكمة القيادات (ولا سيما قيادات الدول الكبرى) القادرة على استيعاب مقاصد ميثاق الأمم المتحدة، وليست في جعبتنا وسائل سوى تفعيل الآليات التي أقرها المجتمع الدولي في مجال الأمن الجماعي وردع منتهكي القانون الدولي، وضمان احترام سيادة وأمن الدول، وحظر احتلال أراضي الغير بالقوة وضمها أو تغيير طابعها، والعمل على منع وقوع النزاعات المسلحة بحل الخلافات سلميا.
السيد الرئيس،
إن الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج تجعل من تحقيق الاستقرار فيها حاجة إقليمية ودولية، ونحن نؤكد على موقفنا الثابت بتجنيب المنطقة المخاطر بحل الخلافات بالحوار المنطلق من المصالح المشتركة واحترام سيادة دولها. فإثارة التوتر وإملاء الإرادة باستخدام الحصار والعقوبات ليس في صالح أي منها.
وسبق أن أشرت إلى ضرورة العمل على إنشاء نظام أمن إقليمي يحفظ لمنطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج خاصة أمنها واستقرارها. ومجمل الأحداث تؤكد أهمية هذه الفكرة وضرورة العمل على تحقيقها.
وفي هذا السياق، يستمر الحصار الجائر غير المشروع وغير المبرر الذي فرضته بعض الدول على دولة قطر، وكان مجلس التعاون الخليجي ثاني ضحاياه، إذ شله وأفقده دوره.
حين وقفت هنا أمامكم قبل عامين ثلاثة شهور من فرض الحصار كنت واثقا من صمود الشعب القطري وإخوانه المقيمين في قطر، وتجاوز آثار الحصار، بل والاستفادة من التحدي الذي فرض علينا رغم الثمن الذي دفعناه. كذلك كنت واثقا منذ اليوم الأول لبدء حملة التحريض والتشويه التي سبقت الحصار أن الرأي العام الخليجي والعربي والعالمي سيدرك عاجلا الأهداف الكامنة من الحملة الدعائية على دولة قطر والمدفوعة بنزعات الهيمنة وفرض الوصاية والسيطرة على مقدرات الدول الأخرى، والغرض الحقيقي من توجيه الاتهامات التي سرعان ما ثبت بطلانها. وقد حصل ذلك، مثلما انكشف هذا النهج مرات متكررة حينما وقعت ضحيته دول أخـرى.
وتماشيا مع سياستنا الثابتة باحترام القانون الدولي وحل الخلافات والنزاعات بالوسائل السلمية فإننا، نحن المعتدى علينا، نؤكد على موقفنا بأن الحوار غير المشروط القائم على الاحترام المتبادل ورفع الحصار الجائر، هو السبيل لإنهاء هذه الأزمة، ونجدد الإعراب عن تقديرنا البالغ للجهود المخلصة لصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت الشقيقة ومساعي الدول الشقيقة والصديقة لحل هذه الأزمة.
الحضور الكرام،
إن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والعربية عموما، والممارسات غير المشروعة المترتبة على ذلك، ولا سيما توسيع الاستيطان وتهويد مدينة القدس، والحصار الخانق والجائر لقطاع غزة، وتكثيف الاستيطان في هضبة الجولان السورية المحتلة وتغيير طبيعتها؛ كلها أمور تجري بتحد علني للأمم المتحدة وقراراتها حتى أصبحت إسرائيل تعتبر أجواء دول المنطقة مباحة لها. إلـى متى ستظل الشرعية الدولية عاجزة لا تجد من يفرض احترامها حين يتعلق الأمر بفلسطين؟
لقد ثبت أن التسويات القائمة على فرض منطق القوة لا تؤدي إلا إلى خرقها والتنكر لها بمنطق قوة الاحتلال أيضا. أما السلام الدائم فهو الذي يقوم على العدل، وهذا يعني ضمان حقوق الشعب الفلسطيني الذي سلب وطنه، وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي العربية المحتلة، بما فيها الجولان السوري والأراضي اللبنانية.
ومثلما لن تتوقف قطر عن دعم أي جهد يبذل لصالح تحقيق السلام العادل، كذلك سوف تواصل تقديم الدعم السياسي والإنساني للشعب الفلسطيني الشقيق.
السيد الرئيس،
أصبحت مأساة الشعب السوري واستمرار معاناته للعام الثامن فضيحة كبرى وعارا على الإنسانية. إن ما يزيد هذه الكارثة الإنسانية خطورة هو غياب رؤية واضحة لحلها مع استمرار أعمال القتال والتدمير والتشريد وتجاهلها دوليا.
ندرك جميعا أن المسؤولية الأساسية عن الإخفاق في فرض الحل السياسي الذي نفضله جميعا في سوريا يعود أساسا إلى عجز مجلس الأمن عن حماية المدنيين واتخاذ القرار اللازم لوقف إراقة الدماء واستمرار تعنت النظام السوري، ورفضه لكافة المبادرات الإقليمية والدولية. وكل من يستمع إلي الآن يعرف أنه عندما نقول مجلس الأمن إنما نقصد الدول الكبرى.
لقد آن الأوان أن يحصل السوريون على الأمن والحياة الكريمة والعادلة، من خلال التوصل إلى حل سياسي يلبي تطلعات الشعب السوري بكامل أطيافه، وفق بيان جنيف (1) وقرارات مجلس الأمن بما فيها القرار 2254، بما يحفظ وحدة أراضي سوريا وسيادتها واستقلالها، وإقامة العدالة بمساءلة مرتكبي الفظائع ضد المدنيين، وفق أحكام القانون الدولي.
سوف تواصل دولة قطر القيام بواجبها الإنساني في تقديم المساندة السياسية والمساعدات الإنسانية للشعب السوري الشقيق لتخفيف معاناته.
وفيما يتعلق باليمن الشقيق ، نؤكد حرصنا على وحدة اليمن وسلامة أراضيه وسيادته وضرورة استكمال العملية السياسية، وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة ولا سيما القرار رقم 2216.
وأشدد في هذا المقام على أن مخرجات الحوار الوطني في يناير 2014 الذي شاركت فيه جميع الأطراف اليمنية قدمت حلولا منصفة وعادلة لكافة القضايا التي يجري الاقتتال حولها، بما فيها قضية نظام الحكم وبنية الدولة الفدرالية وقضية الجنوب. لقد أنجز اليمنيون ذلك بالحوار فيما بينهم.
وإلى حين يعود اليمنيون إلى أنفسهم ويطبقوا حلولا توصلوا إليها دون تدخلات خارجية، لا نجد أمامنا سوى دعم جهود الأمم المتحدة لوقف الحرب، ودعم جهودها الإنسانية والإغاثية.
وفي ليبيا، تنذر التطورات الأخيرة بمخاطر على وحدتها الوطنية واستقرارها.
لقد أدت العمليات العسكرية الأخيرة ضد العاصمة طرابلس إلى عدم انعقاد المؤتمر الوطني الليبي الجامع؛ الأمر الذي يكشف عن إخفاق جديد لنظام الأمن الجماعي في منطقة الشرق الأوسط والازدواجية والانتقائية في تطبيق الشرعية الدولية نتيجة دعم بعض الدول للمليشيات العسكرية ضد الحكومة الشرعية، هذه المليشيات التي لم تتردد في ارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين؛ نحن ندعو إلى مساءلة مرتكبي هذه الجرائم، ودعم حكومة الوفاق الوطني الشرعية والمعترف بها دوليا، لكي تقوم بكامل مهامها في وضع حد لمعاناة الشعب الليبي وإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع ليبيا.
لقد دفع الشعب الليبي ثمنا غاليا من أجل حريته، ولكنه لم يقطف ثمار النضال الغزير بالتضحيات، مع أنه تعب من الفوضى. وثمة جهد دولي، وتسوية مـعترف بها دوليا. فلماذا لا تنفذ؟ لأن دولا معروفة تفعل ما لا تقول، وتقول ما لا تفعل. تشارك شكليا في الجهد الدولي بيد وتعمل على تقويضه باليد الأخرى بدعم أمراء الحرب والميليشيات الإرهابية لمصالح ضيقة.
نحن ندعو جميع الأطراف الفاعلة في ليبيا إلى تحمل مسؤوليتها واحترام إرادة الشعب الليبي في الحل السلمي، ونحذر من أن التدخل في الشأن الليبي يزيد من تعقيد الأزمة ويحول دون الوصول إلى التوافق الوطني ويتعارض مع قرارات مجلس الأمن.
السيدات والسادة،
تواصل قطر بتوفيق من الله تقديم فضاء للحوار ودعم التوافق على حلول عقلانية ومنصفة للأزمات والصراعات المسلحة. وقد قمنا باستضافة المفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان، وحققت هذه المفاوضات قبل القرار الأميركي بوقفها تقدما كبيرا بين الجانبين لتحقيق السلام في أفغانستان وندعو المجتمع الدولي والدول الإقليمية الفاعلة بشكل خاص إلى تضافر الجهود لتحقيق السلام والاستقرار في هذا البلد.
السيدات والسادة،
أثبتت تطورات العام الأخير في أكثر من دولة في منطقتنا أن القمع والجرائم ضد الإنسانية التي حاول مرتكبوها عبثا سد مجرى التاريخ، لم توقف تطلع الشعوب إلى العدالة والكرامة الإنسانية وتطلع الشباب العربي إلى مستقبل أفضل.
كما ثبت أن الإصلاح التدريجي هو الطريق الأوثق للتغيير في الدول ذات المجتمعات المركبة في إقليم معقد بحد ذاته. ولو اختارت بعض الأنظمة الإصلاح تجاوبا مع تطلعات الشعوب لوفرت خسائر فادحة وضحايا لا تحصى.
وفي هذا السياق نثمن الخطوات والاتفاقات التي تمت بين الأطراف السودانية وإننا على ثقة أن الشعب السوداني قادر على تجاوز هذه المرحلة الانتقالية الحساسة، ونجدد التزامنا بالوقوف بجانب الشعب السوداني الشقيق وندعو كافة القوى الإقليمية والدولية إلى دعم السودان لتحقيق تطلعات شعبه في الأمن والاستقرار والتنمية. وفي هذه المناسبة أدعو الإدارة الأمريكية إلى شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
الحضور الكرام،
أصبح مركب الإرهاب والتطرف العنيف خطرا داهما يهدد العالم بأسره. إن القضاء على الإرهاب يتطلب اعتماد نهج شمولي يتضمن معالجة جذوره السياسية والاقتصادية والاجتماعية، جنبا إلى جنب مع العمل الأمني والعسكري. ونحن نجدد إدانتنا لجميع أنواع الإرهاب ومساندتنا لمكافحته.
وفي هذا الصدد بدأت دول كثيرة تدرك خطأ ربطه بدين معين بعد ما تعرضت له من عمليات إرهابية بدوافع عنصرية وأيديولوجية. وثمة حاجة سياسية وأخلاقية إلى تجاوز حصر الإرهاب بالأفراد والجماعات والتعامل أيضا مع جرائم الدول ضد المدنيين العزل بوصفها إرهاب دولة، وليس ما يجري في سوريا وفلسطين وليبيا عنا ببعيد. كذلك من الضروري التمييز بين الإرهاب ومقاومة الاحتلال.
سوف تواصل دولة قطر مشاركتها الفاعلة في الجهود الدولية لمكافحة التطرف العنيف. وفي هذا الصدد أشير إلى عقد اتفاقية الشراكة بين دولة قطر ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب وتقديم مبلغ 75 مليون دولار من أجل تعزيز قدرة المكتب، وكذلك فتح المركز الدولي لتطبيق الرؤى السلوكية للوقاية من التطرف العنيف ومكافحته، واتفاقية الشراكة بين مؤسسة صلتك بدولة قطر وفرقة العمل المعنية بالتنفيذ في مجال مكافحة الإرهاب، بهدف بناء القدرات وإطلاق مشاريع في المنطقة العربية تستهدف الوقاية منه.
وعلى المستوى المحلي فقد تواصلت الجهود على المستوى التشريعي، ودعم المؤسسات الوطنية المتخصصة في مكافحة الإرهاب، حتى أصبحت نموذجا يحتذى به على مستوى المنطقة، وهي تضطلع اليوم بدور فاعل في تنفيذ آليات مكافحة الإرهاب التي أقرها المجتمع الدولي.
السيدات والسادة،
على الرغم من الأهمية القصوى لاستخدام تكنولوجيا الاتصالات في عالمنا المعاصر في شتى المجالات الأمنية والاقتصادية والتجارية وغيرها، إلا أن إساءة استخدام هذه التكنولوجيا أصبحت تهدد أمن الدول والعلاقات الودية فيما بينها، علاوة على الاعتداء على المجال الخاص للأفراد، والأضرار الاقتصادية. وكما تعلمون قد تعرضت وكالة الأنباء بدولة قطر لعملية قرصنة وتجسس رقميين.
وإدراكا منا للأهمية المتزايدة لهذه المسألة أجدد ما اقترحته العام الماضي بالدعوة إلى مؤتمر دولي يبحث سبل تنظيم هذا الموضوع في القانون الدولي، وأؤكد على استعداد دولة قطر لاستضافة هذا المؤتمر برعاية الأمم المتحدة، وبذل كافة الجهود مع الشركاء الدوليين لإنجاحه.
السيد الرئيس،
ندرك جميعا أن تداعيات ظاهرة تغير المناخ تمثل شاغلا مشتركا للمجتمع الدولي، وتشكل تهديدا وجوديا لبعض البلدان، علاوة على تأثيرها السلبي على تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وعلى نوعية حياة البشر.
وعلى الرغم مما بين الدول من تباين في المعطيات والظروف فإننا اليوم أحوج ما نكون إلى التعاون الدولي وتأكيد مصداقية العمل الدولي المتعدد الأطراف لمواجهة تحديات تغير المناخ.
وفي هذا الإطار فقد اضطلعت دولة قطر بدور فعال في الجهود الدولية بشأن تغير المناخ، بالمشاركة مع فرنسا وجامايكا والأمم المتحدة في قيادة التحالف المعني بتمويل الأنشطة المناخية وتسعير الكربون.
السيد الرئيس،
لقد انتهجت دولة قطر سياسة ثابتة لحماية وتعزيز حقوق الإنسان، بالاستناد إلى مبادئنا وقيمنا العربية والإسلامية التي تعلي قيمة الإنسان، ونحرص على تنفيذ التزامنا في هذا الجانب على المستويين الوطني والدولي، للدفاع عن الحقوق الفردية والجماعية واحترام حقوق الانسان وكرامته. وحققت قطر إنجازات مهمة فيما يتعلق بحقوق العمال وظروف العمل بالتنسيق مع منظمة العمل الدولية.
إن نجاح الأمم المتحدة في مواجهة التحديات المشتركة يعتمد على تنفيذ الدول الأعضاء لالتزاماتها ومسؤولياتها. وفي هذا الإطار عقدت دولة قطر شراكات مع العديد من أجهزة الأمم المتحدة، وسوف تستضيف الدوحة قريبا بيت الأمم المتحدة الذي يضم مكاتب لمختلف أجهزة المنظمة الدولية المعنية بالسلام والتنمية وحقوق الإنسان وسيادة القانون والعمل الإنساني ومكافحة الإرهاب والتطرف، لتمكينها من أداء مهامها على الوجه الأمثل.
وقد أعلنت دولة قطر مؤخرا عن تقديم دعم للموارد الأساسية للأمم المتحدة بمبلغ (500) مليون دولار، وهو يضاف إلى الدعم الذي سبق أن قدمته، بحيث أصبحت تعد اليوم ضمن قائمة أكبر الشركاء الداعمين للأمم المتحدة في مختلف المجالات.
وختاما أجدد التزامنا بالعمل الدولي المتعدد الأطراف والشراكة والتعاون بما يحقق مصلحة شعوبنا وخير الإنسانية.
أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.